فصل: تفسير الآية رقم (5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (5):

{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)}
{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} أي: واجبٌ من الله إن طلقكن رسولُه {أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ} خاضعات لله بالطاعة {مُؤْمِنَاتٍ} مصدقات بتوحيد الله {قَانِتَاتٍ} طائعات، وقيل: داعيات. وقيل: مصليات {تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ} صائمات، وقال زيد بن أسلم: مهاجرات وقيل: يسحن معه حيث ما ساح {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} وهذا في الإخبار عن القدرة لا عن الكون لأنه قال: {إن طلقكن} وقد علم أنه لا يطلقهن وهذا كقوله: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} [محمد- 38] وهذا في الإخبار عن القدرة لأنه ليس في الوجود أمة خير من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآيات (6- 8):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)}
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ} قال عطاء عن ابن عباس: أي بالانتهاء عما نهاكم الله تعالى عنه والعمل بطاعته {وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} يعني: مروهم بالخير وانهوهم عن الشر وعلِّموهم وأدِّبوهم تَقُوهُمْ بذلك نارًا {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ} يعني خزنة النار {غِلاظٌ} فظاظ على أهل النار {شِدَادٌ} أقوياء يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفًا في النار وهم الزبانية، لم يخلق الله فيهم الرحمة {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُواْ لا تَعتَذِرُوا اليَومَ إِنَّمَا تُجزَونَ مَا كُنتُم تَعمَلُونَ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} قرأ الحسن وأبو بكر عن عاصم: {نُصوحًا} بضم النون، وقرأ العامة بفتحها أي: توبة ذات نصح تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه.
واختلفوا في معناها قال عمر وأبي ومعاذ: التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب، كما لا يعود اللبن إلى الضرع.
قال الحسن: هي أن يكون العبد نادما على ما مضى؛ مجمعًا على ألا يعود فيه.
قال الكلبي: أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن.
قال سعيد بن المسيب: توبة تنصحون بها أنفسكم.
قال القرظي: يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وإضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سيئ الإخوان.
{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} أي لا يعذبهم الله بدخول النار {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} على الصراط {يَقُولُونَ} إذ طفئ نور المنافقين {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

.تفسير الآيات (9- 10):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)}
ثم ضرب الله مثلا للصالحين والصالحات من النساء فقال جل ذكره: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ} واسمها واعلة {وَامْرَأَةَ لُوطٍ} واسمها واهلة. وقال مقاتل: والعة ووالهة.
{كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} وهما نوح ولوط عليهما السلام {فَخَانَتَاهُمَا} قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما فكانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون، وإذا آمن به أحد أخبرت به الجبابرة وأما امرأة لوط فإنها كانت تدل قومه على أضيافه إذا نزل به ضيف بالليل أوقدت النار، وإذا نزل بالنهار دخنت ليعلم قومه أنه نزل به ضيف.
وقال الكلبي: أسرتا النفاق وأظهرتا الإيمان.
{فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} لم يدفعا عنهما مع نبوتهما عذاب الله {وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}.
قطع الله بهذه الآية طمع كل من يركب المعصية أن ينفعه صلاح غيره.

.تفسير الآيات (11- 12):

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)}
ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعًا فقال: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} وهي آسية بنت مزاحم.
قال المفسرون: لما غلب موسى السحرة آمنت امرأة فرعون، ولما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس.
قال سلمان: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة.
{إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته.
وفي القصة: أن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها فلما أتوها بالصخرة قالت: رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة فأبصرت بيتها في الجنة من درة بيضاء، وانتزع روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه ولم تجد ألمًا.
وقال الحسن وابن كيسان: رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب.
{وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} قال مقاتل: وعمله يعني الشرك. وقال أبو صالح عن ابن عباس {وعمله} قال: جِمَاعه. {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الكافرين. {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ} أي في جيب درعها ولذلك ذكر الكناية {مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} يعني الشرائع التي شرعها الله للعباد بكلماته المنزلة {وَكُتُبِهِ} قرأ أهل البصرة وحفص: {وكتبه} على الجمع، وقرأ الآخرون: {وكتابه} على التوحيد. والمراد منه الكثرة أيضا. وأراد بكتبه التي أنزلت على إبراهيم وموسى وداود وعيسى عليهم السلام. {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} أي من القوم القانتين المطيعين لربها ولذلك لم يقل من القانتات.
وقال عطاء: {من القانتين} أي من المصلين. ويجوز أن يريد بالقانتين رهطها وعشيرتها فإنهم كانوا أهل صلاح مطيعين لله.
وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون».

.سورة الملك:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 2):

{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)}
{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} قال عطاء عن ابن عباس: يريد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة.
وقال قتادة: أراد موت الإنسان وحياته في الدنيا جعل الله الدنيا دار حياة وفناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء.
قيل إنما قدم الموت لأنه إلى القهر أقرب: وقيل: قدمه لأنه أقدم لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوهما ثم اعترضت عليها الحياة.
وقال ابن عباس: خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات وخلق الحياة على صورة فرس بلقاء انثى وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي، وهي التي أخذ السامري قبضة من أثرها فألقى على العجل فحيي.
{لِيَبْلُوَكُمْ} فيما بين الحياة إلى الموت {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} روي عن ابن عمر مرفوعا: {أحسن عملا} أحسن عقلا وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله.
وقال فضيل بن عياض {أحسن عملا} أخلصه وأصوبه. وقال: العمل لا يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا الخالص: إذا كان لله والصواب: إذا كان على السنة.
وقال الحسن: أيكم أزهد في الدنيا وأترك لها.
وقال الفَّراء: لم يوقع البلوى على أى إلا وبينهما إضمار كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع. ومثله: {سلهم أيهم بذلك زعيم} [القلم- 40] أي: سلهم وانظر أيهم فـ{أي}: رفع على الابتداء {وأحسن} خبره {وَهُوَ الْعَزِيزُ} في انتقامه ممن عصاه {الْغَفُورُ} لمن تاب إليه.

.تفسير الآيات (3- 4):

{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)}
{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} طبقًا على طبق بعضها فوق بعض {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} قرأ حمزة والكسائي: {من تفوت} بتشديد الواو بلا ألف، وقرأ الأخرون بتخفيف الواو وألف قبلها. وهما لغتان كالتَّحَمُّل والتحامل والتطهر والتطاهر. ومعناه: ما ترى يا ابن آدم في خلق الرحمن من اعوجاج واختلاف وتناقض بل هي مستقيمة مستوية. وأصله من الفوت وهو أن يفوت بعضها بعضا لقلة استوائها {فَارْجِعِ الْبَصَرَ} كرر النظر، معناه: انظر ثم ارجع {هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} شقوق وصدوع.
{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} قال ابن عباس: مرة بعد مرة {يَنْقَلِبْ} ينصرف ويرجع {إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا} صاغرًا ذليلا مبعدًا لم يرَ ما يهوى {وَهُوَ حَسِيرٌ} كليل منقطع لم يدرك ما طلب. وروي عن كعب أنه قال: السماء الدنيا موج مكفوف والثانية مرمرة بيضاء والثالثة حديد والرابعة صفراء وقال: نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء بين السماء السابعة إلى الحجب السبعة صحارى من نور.

.تفسير الآيات (5- 11):

{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}
{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا} أراد الأدنى من الأرض وهي التي يراها الناس. {بِمَصَابِيحَ} أي: الكواكب واحدها: مصباح وهو السراج سُمي الكوكب مصباحًا لإضاءته {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا} مرامي {لِلشَّيَاطِينِ} إذا استرقوا السمع {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ} في الآخرة {عَذَابِ السَّعِيرِ} النار الموقدة. {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِهِم عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئسَ المَصِيرُ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا} وهو أول نهيق الحمار وذلك أقبح الأصوات {وَهِيَ تَفُورُ} تغلي بهم كغلي المِرْجل. وقال مجاهد: تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل.
{تَكَادُ تَمَيَّزُ} تنقطع {مِنَ الْغَيْظِ} من تغيظها عليهم، قال ابن قتيبة: تكاد تنشق غيظًا على الكفار {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} جماعة منهم {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا} سؤال توبيخ {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} رسول ينذركم.
{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا} للرسل {مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ}.
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} من الرسل ما جاءونا به {أَوْ نَعْقِلُ} منهم. وقال ابن عباس: لو كنا نسمع الهدى أو نعقله فنعمل به {مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} قال الزجاج: لو كنا نسمع سمع من يعي ويتفكر أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل النار.
{فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا} بعدًا {لأصْحَابِ السَّعِيرِ} قرأ أبو جعفر والكسائي {فسحقا}.
بضم الحاء، وقرأ الباقون بسكونها وهما لغتان مثل الرُّعُب والرّعْب والسُّحُت والسُّحْت.

.تفسير الآيات (12- 16):

{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)}
{إِنَّ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ لَهُم مَّغفِرَةٌ وَأَجرٌ كَبِيرٌ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام بما قالوا فقال بعضهم لبعض: أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد.
فقال الله جل ذكره: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} ألا يعلم ما في الصدور مَنْ خلقها {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} لطيف علمه في القلوب الخبير بما فيها من الخير والشر والوسوسة. وقيل {مَنْ} يرجع إلى المخلوق، أي ألا يعلم الله مخلوقه؟
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا} سهلا لا يمتنع المشي فيها بالحزونة {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} قال ابن عباس وقتادة: في جبالها. وقال الضحاك: في آكامها. وقال مجاهد: في طرقها وفجاجها. قال الحسن: في سبلها. وقال الكلبي: في أطرافها. وقال مقاتل: في نواحيها. قال الفراء: في جوانبها والأصل في الكلمة الجانب، ومنه منكب الرجل والريح النكباء وَتنكَّب فلان أي جانب {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} مما خلقه رزقًا لكم في الأرض. {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} أي: وإليه تبعثون من قبوركم. ثم خَّوف الكفار فقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} قال ابن عباس: أي: عذاب مَنْ في السماء إن عصيتموه {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} قال الحسن: تتحرك بأهلها. وقيل: تهوي بهم. والمعنى: أن الله تعالى يحرِّك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيهم إلى أسفل، تعلو عليهم وتمر فوقهم. يقال: مَارَ يَمُورُ، أي: جاء وذهب.